يُعرف الترقيم بأنه وضع علامات بين أجزاء الكلام المكتوب. أو الترقيم: علامات اصطلاحية، تُوضَع في أثناء الكلام، أو في آخره؛ كالفاصلة والنقطة، وعلامتي الاستفهام والتعجب. وقد أظهرت التجارب وتثبتها الدراسات بلا شك أن السامع والقارئ يحتاجان دائمًا إلى تنويعات مميزة في الصوت، أو رموز كعلامات الترقيم في الكتابة، مع تصحيح الأخطاء السياقية؛ يحصل بها تسهيل الفهم والإدراك، عند سماع الكلام، أو قراءة المكتوب.
دليل القارئ نحو كيفية استخدام علامات الترقيم بشكل سليم
فن الترقيم يشبه الموسيقار الذي يُلحِن للنص نغمًا مميزًا، يجذب القارئ ويوجّه إيقاع القراءة تحت مظلة التدقيق اللغوي العربي؛ وتستعمل علامات الترقيم منها في الفصل بين كلمات أو أجزاء من الجملة أو لإنهاء المعنى أو استمراره ولتنويع النبرات الصوتيَّة أثناء القراءة. وعلامات الترقيم تشبه الإرشادات التي توجه القارئ خلال رحلته في غابة النص المكتوب، تجعله يسير بثبات ويفهم المسار بوضوح، وهي لا تعتبر حروفاً، وهي غير منطوقة. قواعد واستخدامات علامات الترقيم تتأثر بتطور اللغة وتحولاتها عبر العصور، مما يجعلها تعبر عن تطورات الحياة الاجتماعية والثقافية للشعوب. فالترقيم كناية عن رباط يُوجِّه القارئ ويفصل بين الأفكار، مع ضرورة الحرص على التدقيق اللغوي والنحوي للنصوص المكتوبة باللغة العربية، لضمان وضوح المعنى وصحة التعبير. إضافة إلى ذلك، استخدام علامات التعجب والاستفهام يُظهر الإشارات القوية، والاقتباس النصي يعزز فهم الأفكار.
هل علامات الترقيم تعمق الفجوة بين الخبراء والمبتدئين؟
شعرت الأمم التي سبقت في ميادين الحضارة بهذه الحاجة الماسة نحو تصحيح الأخطاء السياقية في اللغة العربية آن ذاك، فاتفق علماؤها على علامات مخصصة لفصل الجمل وتقسيمها؛ ليستخدم القارئ هذه العلامات لتنويع الصوت بشكل يناسب مختلف مقاطع الفصل والوصل، وأيضًا في بداية النصوص وفي المواضع التي يلزم فيها التمييز بين البيان والتعجب أو الاستفهام وما شابه ذلك، وذلك وفقًا لطبيعة الموضوع. فلقد أصبح القارئ المبتدئ إذا قرأ في أحد الكتب مستعينًا ببرنامج التدقيق اللغوي والنحوي للغة العربية بما فيه من علامات الترقيم المناسبة لا يتلعثم ولا يتردد في التلاوة؛ بل يكون مماثلا للقارئ الخبير سواء بسواء، ويتم قياس الفارق بين المبتدئ والمتقدم بمقدار المعرفة التي يتم تحقيقها، وهي التي يتم الاعتماد عليها في درجة الفهم، ويعود الفضل في هذا الجانب إلى العلامات المتفق عليها، التي تهدف إلى تسهيل القراءة لكل شخص يمتلك فهمًا بسيطًا لأشكال الحروف وتراكيبها، بعضها مع بعض، وإلى طريقة النطق بالكلمات التي تتألف منها.
ترقيم اللغة: بين التقليد والتجديد، هل نحن في حاجة إلى نظام جديد في علامات الترقيم؟
تعد علامات الترقيم بصورتها الحالية لم تكن معروفة لدى القدماء من العلماء العرب، وعندما يريدون تقسيم النص إلى فقرات، كانوا يستخدمون نقطة دائرية للفصل بين الكلمات، ولقد سعى الناشطون الغيورين على اللغة العربية إلى تبسيط استخدامها دائمًا لتجنب هذا الخلل البارز، وتدارك هذا النقص الواضح كي يتم تصحيح الأخطاء السياقية على نسق وأساس متين، ولاسيما بعد اختلاط الشعوب وتبادل الثقافات، وانتشار استخدام اللغات الأجنبية بشكل كبير، فرأوا أن الوقت قد حان لإدخال نظام جديد في كتابتنا الحالية – مطبوعة أو مخطوطة – تسهيلاً لتناول العلوم ، وحفاظًا على الوقت من أن يضيع هدرًا بين تردد النظر وبين اشتغال الفكر في استيعاب الوقف بين العبارات والجمل، مع ضرورة الحرص على التدقيق اللغوي والنحوي للغة العربية لضمان وضوح المعنى وصحة التعبير؛ فكان من الأسهل فهم المعاني إذا تم تقسيم العبارات أو ربطها بعلامات، مما يظهر الأهداف ويوضح المعاني بوضوح.
عندما تغير علامات الترقيم المعنى كليًا
ويحدث هذا الاضطراب في المعنى إذا أخطأ الكاتب، ووضع علامة ترقيم مكان أخرى؛ فمثلاً إذا كتب الجملتين الآتيتين، وبينهما فصلة: ساءت حال الأسرة بعد موت عائلها، لأنه لم يدخر شيئًا. فلقد فهم القارئ أن هذه الجملة إنما هي جزء من التعبير عن معنى معين، واستترت العلاقة الحقيقية بين هاتين الجملتين، إذ أن الجملة الثانية تعتبر سببًا للجملة الأولى؛ وفي هذا الموضع تستخدم الفصلة المنقوطة (؛) لا الفصلة، ووضع الفصلة المنقوطة يقف القارئ على هذه العلاقة الحقيقية حين يقرأ.
تحليل الإعراب: هل تكفي علامات الترقيم للتمييز بين معاني الجمل؟
كان القدماء من العلماء العرب يفرقون بين الأساليب النحوية عن طريق الاستعانة بالتدقيق اللغوي والنحوي للغة العربية لاسيما الإعراب؛ وهكذا يشير أبو الحسين أحمد بن فارس إلى أهمية دراسة اللغة العربية، إذ يقول: “وضرورة فهم الإعراب تكمن في القدرة على التفريق بين المعاني، ألا ترى أن القائل، إذا نطق بـ “ما أحسن زيد”، يعجز عن التفريق بين التعجب والاستفهام والذم إلا باللجوء إلى الإعراب. وتلك الجملة التي أتى بها ابن فارس تحتمل ثلاثة أوجه من الضبط؛ بالإضافة إلى أن الاستعانة بعلامات الترقيم التي تم التوسع في استعمالها في العصر الحديث تفيد في تحديد الأسلوب النحوي الذي نستطيع التوصل إليه كما في الثلاث جمل الأتية:
ما أَحْسَنَ زيدًا! = أسلوب تعجب – ما أحسنُ زيدٍ؟ = أسلوب استفهام – ما أحسَنَ زيدٌ = أسلوب ذم، أي نفي.
الحكم العام بخصوص استخدام علامات الترقيم
وها هي الضوابط التي يجب الأخذ بها في جميع الحالات أثناء أي تدقيق لغوي عربي، ولكن يتمتع الكاتب بالحرية في تكثيف أو تقليل استخدام هذه العلامات، وفقًا للتأثير الذي يرغب في إيصاله من خلال النص، ولفت الأنظار، والتوكيد في بعض الحالات، وعلى هذا النحو؛ يمكن للكاتب أن يؤثر بشكل فعّال على عقول القراء، إذ تتفاوت أساليب الكتابة بين الأشخاص، وتتنوع أيضًا مواضع الدلالات وفقًا لعلم المعاني؛ فكذلك الشأن في وضع هذه العلامات. ولكن الترقيم إذا كان يختلف باختلاف أساليب الإنشاء؛ فلا يُفسر ذلك على أنه مبرر للتخلي عن القواعد الأساسية التي شرحناها، بل يُعتبر تنويعًا في الظروف التي يتم فيها استخدام هذه العلامات.
وفي النهاية، يتوقف كل شيء على ذوق الكاتب واختياراته الشخصية، وهو من يقرر كيفية تنسيق النص وصياغته وفق ميوله الخاصة، والوجدان الذي يريد أن يؤثر به على نفس القارئ؛ ليشاركه في شعوره، وفي عواطفه، وممارسة الكتابة هي الطريق الأمثل لتوجيهنا إلى الهدف المرجو.