أبحثت ذات يوم عن كتاب قد أوصاك بشرائه صديق حميم تثق في انطباعاته الأدبية جمًا، وآل بك في النهاية لحسرتك على اقتنائك ذلك الكتاب؟ بعد التدقيق اللغوي للروايات، تأكدت من خلو النص من أي أخطاء لغوية أو نحوية، مما أبرز جماليات اللغة المستخدمة وأضفى على النص وضوحًا، لكن ظلت تجربة القراءة غير مُرضية.
بالتأكيد، ما من أحد من محبي القراءة إلا وقد حدثت له تلك الواقعة. فنحن معشر الكتاب كثيرًا ما تتوق له نفوسنا من أنه، وياليت كل القراء يعجبون بآخر إصداراتنا، ولكن هيهات، فدوافع القراء تختلف حسب هواهم الشخصي، وليس كل القراء على درجة من النهم الواحد الذي يجعلهم في نفس الوقت متشوقين لما يفرزه قلمك.
فبعض القراء تميل نفوسهم نحو الإثارة والتسارع في الأحداث، ويفضلون وقوع أحداث تشبه ما قد طرأ في حياتهم من قبل أو يحدث في الوقت الحالي. وتارة أخرى، يتوجه بعض القراء نحو الابتعاد عن روايات الفانتازيا والمغامرات السريعة، ويفضلون في ذلك تباطؤ الأحداث. وهناك أيضًا قراء يتوقون إلى شخصيات لم يلتقوا بها من قبل، لكن يودون ولو أن تكون شخصياتهم مشابهة لتلك الشخصيات. وبعض القراء يتوقون إلى التفصيل والسرد البسيط في الروايات، في حين يفضل آخرون قراءة الأحداث والجمل غير المتوقعة التي تثير اهتمامهم لفترة ليست بالقصيرة؛ وهذا ما يجعل أساليب التدقيق اللغويّ الروائي العربيّ مهمة للغاية، حيث أنّها تُساعد على التأكد من أنّ النصّ مُلائم لذوق القارئ وأنّه يُحقّق توقعاته.
خيوط الغموض: كيف تصيب الأحداث الغامضة في قلوب القراء وعقولهم؟
ينصب اهتمام القارئ على ما تقول في ذهنك من أفكار وتوارد للأحداث والمعطيات التي ينسجها خيالك، يجب أن تفطن إلى أن ليس كل القراء على مستوى واحد من ردة الفعل تجاه ما تكتبه بقلمك. فلتعلم إذن أنه إذا قمت بنسج فكرة تتحدث عن اختفاء عجوز في ظرف ما، وأدى اختفاء هذه العجوز إلى انصراف خيال القارئ نحو عدة تفسيرات، أولها إذا كان القارئ ينطوي على نفسه وجالس في حجرة ظلماء. قد يثير اختفاء العجوز تفسيرات متعددة في عقله؛ مما يثير فضوله ويجعله يتساءل عن مصيرها وعن الأحداث التي قد تكون قد سببت اختفاؤها؛ ليؤول ذلك في النهاية إلى حالة من الحزن تسيطر عليه وليس مستبدًا أن تذرف عيناه دمعًا تفاعلاً مع القصة. إذا كان القارئ مغامرًا بطبيعته، فقد يملأ خياله بتفسيرات استثنائية لاختفاء العجوز، مما يجعله يتطلع إلى نهاية مفاجئة ومثيرة للقصة. أما إذا كان القارئ غاضبًا وناقمًا، فقد يعتقد أن اختفاء العجوز نتج عن خطة ماجنة من أشخاص مهرة في القتل، مما يثير غضبه ويشعل خياله بشكل مكثف. وهذا ما يجعل التدقيق اللغوي للروايات خطوة أساسية في رحلة الكاتب، حيث إنها تُساعد على التأكد من أنّ النصّ خالٍ من الأخطاء اللغوية وأنّه يُعبّر بوضوح عن فكرة الكاتب.
شخصيات الرواية: تفاوت الإطار اللغوي وتأثيراته على تجربة القراءة
يعتمد إطار الشخصية أيضًا على التأثير في محور كتابة الرواية، ففتاة تقطن أحد الأكواخ على ضفاف نهر الميسسيبي، تختلف طبائعها وخيالها والإطار العام الذي يمثل تفكيرها وحياتها عن فتاة في نفس عمرها، ولكن تقطن أحد الشوارع الرئيسية في مدينة ميونيخ ضمن عائلة صغيرة تتألف من ضمن الثلاثة أو أربعة أفراد. أيضًا، يختلف الإطار العام لشخص مغامر عن شخص يعمل في شركة تأمين أو بنك، حيث يمتلك المغامر رسمًا شخصيًا مختلفًا وإطارًا عامًا يتحكم في أفكاره وتصرفاته ورؤاه المستقبلية، بينما يتسم الشخص الذي يعمل في المكتب بطبائع وإطار عام يختلف عن ذلك، وتتفاوت خيالاته وتفكيره ومواقفه تجاه البيئة المحيطة به. ولذلك، فإنّ التدقيق اللغوي الروائي يُصبح ضروريًا لضمان وضوح أفكار الكاتب وترجمتها بشكل صحيح إلى نصٍ سهل الفهم على القارئ، حيث إنّ شخصية الرواية هي أحد العناصر الأساسية التي تجذب القارئ وتجعله يتفاعل مع النصّ. فبعض القراء قد ينفرون من قراءة رواية ذات شخصيات غير واضحة أو وصف غير دقيق، حتى وإن كانت الرواية مثيرة للاهتمام من حيث الحبكة أو الأحداث. لذلك، فإنّ التدقيق اللغوي الروائي يُساعد الكاتب على التأكد من أنّ شخصيات روايته مُصوّرة بشكل واضح وأنّ أفكارها وسلوكياتها مُعبرٌ عنها بدقة، مما يُساهم في تحسين تجربة القراءة بشكل عام. فإن كل شخصية تؤثر في طابع النص بشكل فريد. حيث يؤدي اختبارك لشخصية ما إلى اختلاف الإطار العام الذي سوف يحبك الرواية. فالأسلوب يتأثر بالشخصية أيضا ليس فقط حين تقوم بالسرد عند استخدامك لضمير المتكلم لان الوصف يستمد نكهته وطبيعته من الراوي. فمثلاً، يمكن أن نقول عن رجل ما يكره الجو العام لحفلات أماكن السهر المترفة لأنها تفتقر إلى المرح، فقد تفتقر إلى بعض اللهو والأحاديث الصريحة البسيطة والشجارات التي تجعل الحياة أكثر إثارة وتسلية، بينما يمكننا أن نكتب عن رجل آخر يكره الجو العام للحفلات المترفة، ويفضل الأحاديث العميقة عن تلك الابتسامات المرائية المزيفة التي يوزعها المدعوون على بعضهم البعض وهم يرتدون ملابسهم باهظة الثمن التي يكفي ثمنها لكساء قرية أفريقية مدة عام. هكذا وتتفاوت أساليب الكتابة باختلاف الشخصية وبالتالي؛ إذا استثمرت الوقت والجهد والخيال في إنتاج شخصيات مؤثرة، فسوف تكون قادرًا على السيطرة بسهولة على الإطار والحبكة.
من الواقع إلى الخيال: تأثير التجارب الشخصية والخيالية على شخصيات الرواية ومصداقيتها
في الواقع، كل شخصية تبتكرها مستمدة من تجارب حياتك الخاصة، وتُساهم عملية التدقيق اللغوي الروائي في صقل هذه الشخصيات وتحسينها وذلك عندما تصف شخصيات في قصصك، فإنك تستوحي تفاصيل وذكريات من حياتك الواقعية، وذلك حين تستدعي غضب الشخصيات من ذاكرتك لأحداث الغضب التي عشتها. وفي مشاهد الحب، يمكنك أن تستعين بذكريات قبلاتك ولمساتك، واللحظات السعيدة التي عشتها. والمشاعر المهيمنة آنذاك التي شعرت بها في مراهقتك، إذ تنعكس أحيانًا في شخصياتك، فضلاً عن تغير تلك الظروف بعد مرور السنوات. إن انفعالات شخصياتنا تستمد من تجاربنا الشخصية الخاصة، ولذلك فإننا نستخدمها كمرجع لدراسة تصوّر مشاعر الآخرين. في بعض الأحيان، يكون عليك استخدام تجاربك الشخصية بشكل أكبر لتحقيق تأثير أقوى في قصصك، ومحاولة في تصور الأحداث الحقيقية واستعراضها قصصًا مثيرة. إذا كنت حاضرًا في الحدث، يمكنك نقل التفاصيل بدقة، مثل طريقة دخول الضوء من النافذة ورائحة الطعام من حجرة الطهي، وحوار الشرطة، مما يرثي قيمةً إلى قصتك. والأهم من ذلك، فإنك تكون متواجدًا عاطفيًا، حيث شعرت بكل الانفعالات التي ولّدتها الأحداث، مما يجعل الأحداث الذاتية مصدرًا هامًا لتأليف القصص وضمان مصداقيتها. ولهذا السبب؛ يعتمد الكتاب الناجحون كثيرًا على تجاربهم الشخصية في كتاباتهم.
بناء الشخصيات يشبه إلى حد كبير بناء شخصيات استناداً إلى الغرباء، حيث يمكن لنظرة سريعة إلى حياة شخص آخر أن تثير خيال الكاتب. الشخصيات المختلفة تبدأ عادة بفكرة تتأجج في عقل الكاتب، حيث يتم تحويل تلك الفكرة إلى شخصية متكاملة. بغض النظر عن المصدر الأول، سواء أكان واقعيًا أو خياليًا، فإن الشخصيات غالبًا ما تأتي مع بدايات للحالة الخيالية على الأقل. وتساعد عملية التدقيق اللغوي للروايات في تحسين هذه البدايات وجعلها أكثر وضوحًا وتأثيرًا. مثلاً: يوسف يجلس في أعلى نقطة من الشجرة، وهناك تركت المرأة المتوفاة ستة ملايين دولار لصالح المستشفى البيطري. مهمتك الآن هي استكشاف هذه الشخصية/الحالة بعمق، لتحديد ما إذا كانت تستحق أن تكون محور قصة، وهذا يعتمد جزئياً بالطبع على جودة ما ستكتب عنها وعن رغبتك في كتابة قصة حول هذا الشخص، ويمكنك استخدام بعض الإرشادات لاتخاذ هذا القرار.
ما علاقة كل ذلك ببطل رواياتك بداية من الاختيار والتحليل إلى التخطيط والتدقيق اللغوي؟
التخطيط قبل البدء في الكتابة يمنحك المرونة لاستكشاف الخيارات بعمق. فالعبث بتلك الخيارات يمكن أن يساعدك في اختيار الشخصيات المناسبة لقصتك. ولعب دورًا هامًا في هذه العملية هو استخدام أساليب التدقيق اللغوي الروائي العربي، فهناك مئات الطرائق لسرد القصص، وكلما تفكرت فيها أكثر قبل البدء، زادت احتمالات إيجاد التركيبة المناسبة التي تلهم خيالك وتقودك نحو رواية ممتازة. بداية، يجب أن تسأل نفسك بعض الأسئلة الأولية. هل أنا مهتم حقًا بهذه الشخصية؟ هل تدور في ذهنك أفكار حولها؟ هل تخيلت حياتها السابقة واخترعت جوانب من الحوار؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فربما لا تكون جاهزًا لكتابة قصة حولها. هل تعتبر هذه الشخصية جديدة ومثيرة للاهتمام بطريقة ما؟ هل تجد الشرطي الذي يحاول حل جريمة ويعاني من مشاكل مع الشراب مثيرًا؟ قد تكون قصة ابن أخته اليتيمة موضوع اهتمامك. هل الجريمة ذات أهمية بالنسبة لك؟ هل ترغب في أن تكون الشخصية ثابتة أم متغيرة؟ وإذا اخترت أن تكون متغيرة، هل تبدو لديك القدرة على رسم قوس عاطفي يوضح تطورها؟
دفتر الملاحظات والسيرة الموجزة: أدوات لتنظيم الأفكار وإثارة الخيال في عملية الكتابة
يعتاد بعض الكتّاب على تسجيل ملاحظات مفصّلة قبل وأثناء الكتابة، بينما يفضل آخرون الاكتفاء بملاحظات بسيطة، وقد تكون تلك الملاحظات مجرّد خربشات. ودفتر الملاحظات هو عبارة عن لائحة بالمعلومات تذكرك بأسماء الشخصيات وكيفية تهجئة أسمائها، فضلاً عن أعمارها والشوارع التي تعيش فيها واليوم من الأسبوع الذي حدثت فيه مختلف المشاهد، أي كل ما تتطلبه قصتك الخيالية. والاحتفاظ بهذه المعلومات المفصلة يوفر عليك كثيراً من التوتر وأنت تراجع الصفحات السابقة بحثًا عن الاسم الأول لزوجة أخ البطل مثلاً. وإلى جانب دور دفتر الملاحظات في تنظيم المعلومات، تلعب عملية التدقيق اللغوي للروايات دورًا هامًا في صقل هذه المعلومات وجعلها أكثر دقة ووضوحًا. وثمة وسيلة أخرى مفيدة لا ترهق الكتاب الذين لا يحبون تدوين الملاحظات، ألا وهي السيرة الموجزة، فيحتفظ المؤلف بسيرة موجزة لكل شخصية رئيسية وذلك قبل أن يشرع بالكتابة. وفي الواقع من الأفضل وضعها قبل البدء بالكتابة بكثير لأنها تساعدك على التركيز على الشخصية، ولا تشتمل السيرة الموجزة على الشخصية أو الأطباع التي سنستعرضها في الفصول اللاحقة. مبتغانا الآن هو توثيق المعلومات الأساسية لإثارة الخيال وتفادي الارتباك. وللسير الموجزة فائدة أخيرة. فإن لم تختر من هي الشخصية التي ستكون نجم قصتك ومن سيكون الممثلون البارزون، أو إن كنت تفكر في شخصيات أخرى محتملة، حاول ملء سيرة موجزة لجميع شخصياتك. ثمة الآن الدراسة المتبعة لها، هل تكشف هذه الأسئلة احتمالات جديدة لإحدى الشخصيات؟ ربما كانت مديرة منزل المرأة المحبة للقطط أكثر غموضا مما خيل إليك. فهل يمكنك استعمالها بشكل أكبر في حبكة الرواية؟
كيف الحال إذا وضعت نفسك مكان القارئ؟
أحاول جمع شخصياتي مؤقتًا على الأقل. وسأضيف مزيدًا من الشخصيات وأنا أكتب القصة أو أصرف بعضًا منها. ولكن قبل أن أبدأ، يجب أن أبتعد عن كل ما فعلته حتى الآن وأنظر إلى شخصياتي بعين القارئ الذي لا يعرف عنها شيئًا. هذا ليس سهلاً، فأنا أعرف بأن مدبرة المنزل ستكتشف في الفصل السادس سرًا يذهل كل من يقرأ القصة، ولكن الفصل السادس لا يزال بعيدًا والقارئ لا يعرف شيئًا عما سيحدث، لذا، أنظر بالتالي إلى ما تراه الآن، هل يمكن لهذه المجموعة من الشخصيات أن تثير اهتمامه؟ أسأل نفسي: هل تشتمل الشخصيات على ما يكفي من الاختلاف والتنويع؟ هل من المعقول أن تعرف تلك الشخصيات بعضها أو تتعرف ببعضها من خلال الأحداث التي خططت لها؟ هل المجموعة بأكملها عادية جداً أو كفيلة إلى حد أن أحداً لن يرغب بقضاء 320 صفحة معها؟ لا بأس في وجود عدد قليل من الشخصيات العادية. هل من المعقول وجود تلك الشخصيات في الإطار الذي وضعته لها؟ هل يمكنني استخدام أساليب التدقيق اللغوي للروايات لتحسين كل هذه العناصر وجعل شخصياتي أكثر جاذبية للقارئ. بالإضافة إلى ذلك، يمكنني استخدام عملية التدقيق اللغوي للروايات للتحقق من اتساق أفعال الشخصيات مع سلوكها وتاريخها. يمكنني بالطبع وضع أميرة روسية مهاجرة في هارلم من عام 1910 لو أردت ذلك، ولكن يجب أن أكون مستعداً لتفسير كيفية وصولها إلى هناك، ومن الأفضل أيضًا عدم وضع أكثر من أميرة روسية واحدة في ذلك الإطار. هل تملك جميع الشخصيات التي تتطلبها ظروف القصة منطقيًا؟ على سبيل المثال، إذا كنت تكتب عن جريمة، يجب عليك إدخال شخصيات محترفة لتنفيذ القانون، حتى وإن كان البطل محققًا هاويًا. وتظهر لك إيجابيات ذلك حين تقتل شخصيات حتى وإن لم تكن جزءًا من الحبكة. مثال آخر على ذلك، لم تكن الشابات المتحضرات من العائلات الأرستقراطية العريقة في لندن يسافرن من دون خادمة على الأقل. ضمن هذه الشخصية في روايتك بالتالي. شخصياتك معلقة الآن في الهواء. فلنر كيف نضعها على المسرح.